الاثنين، 23 يوليو 2012

المنهاج الدراسي الجوجلي

جُوجِل، مِن تَجَوْجَلَ تَجَوْجُلاً، أي جَوجَله، ويُقال جَوْجَلَ الرجل السؤال، أي بحث عنه في جوجل، وجوجل هذا موقع الكتروني بحثي لا ينافس إلا نفسه، تغلب على مارد المصباح ذو الأمنيات الثلاثة، فتراه يحقق لك أمنياتك اللانهائية قبل أن يرتد إليك طرفك، ولكل أمنية ملايين المواقع والإجابات، وأنت تختار أي موقع يناسب بحثك، لتبدأ بعدها البحث من جديد في الموقع الذي لا يكل ولا يمل من طلباتك وأوامرك أنت وملايين الناس في المعمورة 24\7.

وقد درج على لسان العامة تسمية محرك البحث هذا بـ”الشيخ جوجل” أو أكثر تبجيلاً “العلاّمة جوجل”، ويُقال أيضاً “الله يخلي جوجل”، أما أحد مدرسينا البريطانيين فقد قال لنا يوماً:
 ”I wonder what did people do BG?”
قلنا له: “BG?!  We know BC which is Before Christ, but what do you mean by BG!”
جاوب ضاحكاً: “Before Google!”
ما دعانا للتفكير.. “صحيح.. كيف كانت حياة الناس قبل جوجل!”.

أعتقد أنني عشت نهاية هذه الحقبة، ما قبل جوجل، قبل أن نتحول بشكلٍ جماعي وعالمي إلى محرك البحث هذا، حيث كنا سابقاً نعتمد اعتماداً كلياً على الكتب كمصادر، وعلى البحوث المنشورة في الكتب والمجلات و”السيديات” العلمية، ولم يكن يأخذ مدرسينا بالمصادر المأخوذة من الإنترنت، ويطلبون منا الإبتعاد عنها ما أمكن لأنها غير موثوقة وغير معتمدة، وهكذا كان، من المكتبة إلى الفصل ومن الفصل إلى المكتبة، بحث وسهر على الكتب، تلخيص وإعادة كتابة، وقت مستنزف أكثر، وعيون متعبة أكثر.

حتى حدث التحول الكبير، من الإعتماد الكلي على الكتب إلى الإعتماد على مصادر الإنترنت، ومدخل ذلك عزيزنا جوجل، ربما أنا أفهم لماذا على الجامعيين استخدام محركات البحث أكثر من الكتب الجامدة، ولكن مالا أفهمه، لماذا على طلاب الإبتدائي، الإعدادي، والثانوي الإعتماد على جوجل بشكلٍ أعمى، خاصة طلاب المرحلة الإبتدائية والإعدادية.

 هذه مرحلة الغرس، نغرس في العقول الصغيرة القيم والأخلاق الحميدة والتربية الفاضلة والدين والعلوم الحياتية وحب الوطن والإنتماء إليه حتى تكبر به، إنها مرحلة التلقي والحفظ أكثر من إضاعة الوقت يومياً على عمل بحث يعتمد على نسخ ولصق المعلومات الموجودة في جوجل، وطباعتها وتسليمها إلى المعلم من دون قرائتها أو صياغتها أو حتى إعداد البحث نفسه، فكثيراً ما يقوم الأب أو الأم أو الأخت أو الأخ بذلك، أو “راعي المكتبة” لمن كان أهل بيته أميين، وهؤلاء الطلبة هم أكثر من أفكر بهم وأرثي لحالهم وأنا أقوم بعمل بحث لأحد أبناء أخوتي، فمن يساعدهم في ذلك وقد باتت علامات النجاح تعتمد على هذه البحوث المسلوقة التي لا تسمن ولا تغني لا الطلبة الصغار ولا مدرسيهم ولا نحن ولا أحد، حتى واضعي المنهاج أنفسهم.

واضعو المناهج ربما أرادوا نقل مستوى التعليم عندنا من مرحلة التلقي والحفظ الصم إلى آفاق البحث العلمي “على أساس بيفرخون نبغاء في جميع الإختصاصات”، مثال: طلاب الإبتدائي يجب أن يقدموا أبحاثاً -كيفما اتفق- عن الشمبانزي وتلوث الصحراء وحوادث السيارات، وبالإنجليزي، ويا للكوميديا سوداء وضعوا لذلك البحث درجة 40، بينما امتحان الكتب 20.  وأنا لست نابغة، ولكنني أعرف سبب توزيع العلامات هذه، فجوجل الذي يعرفه الطلاب لن يخذلهم، وسيأتي لهم بعلامة النجاح، أما الكتب فقد خذلتهم، فلا هم تعلموا الإنجليزي ولا فهموا المادة، ولكي ينجح طلابك ذو العلامات المنخفضة جداً يجب أن تخفض درجة الرسوب حتى ترتفع نسبة النجاح، وإلا منطقياً، كيف ينجح طلاب تُشرح لهم المادة باللغة العربية بينما الدروس والإمتحانات باللغة الإنجليزية؟.

مناهجنا هذه جعلت طلابنا للأسف مثل الغراب الذي أراد تقليد مشية الحمامة، فلا هو أجادها، ولا استطاع الرجوع إلى مشيته القديمة، والله يخلي جوجل ويطول في عمره، صاحب الفضل في نجاح طلبتنا الصغار في المنهاج الجوجلي، ومن الظلم والإجحاف بحق العلاّمة جوجل أن لا يضمّن إسمه بين الخبراء الآتين من أصقاع الأرض، وأن لا يطبع أسمه في غلاف الكتب مع جملة “هذا المنهاج وضع بالإشتراك مع جوجل”

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق