الاثنين، 23 يوليو 2012

ماذا نعرف عن ما نعمل؟

يقول جون جريبن عالم الفلك البريطاني: “أفضل الأشياء في العلم هي التي تتمتع بالجمال والبساطة”، ذلك حين كان في بداية عهده  بالعلم وقبل أن ينهي الثانوية، لذا قرر دراسة الفيزياء والكيمياء بفضل هذا الاعتقاد، ولكنه فيما بعد وحين تعمّق في الدراسة أدرك صعوبتها وعدم انجذابه لها، فتركها لفترة ثم عاد إليها فيما بعد بشكلٍ مختلف، فقد انتفى سبب صعوبة الفهم لديه لأنه رآها بشكل آخر، وأصبح رائداً وباحثاً في مجال الفلك، ونشر كتباً علمية تحظى بالرواج والشهرة والتميز، لأن لا أحد استطاع أن يكتب العلم بأسلوب شائق وجذاب، ولم يكتب أحد العلم بطريقة مبسطة وسهلة مثلما فعل هو، فهو يعشق روح العلم ويبرع في شرحه بشكلٍ سلس  ومتفرد.

وفي اعتقادي لا تتمتع الأشياء في العلم بالجمال والبساطة إلا حين فهم تفاصيل التفاصيل، والغور في الأنماط والسلوكيات المباشرة المؤثرة على تلك الأشياء كما يظن جريبن -وأظن أنا أيضاً-، حينها نبدأ بعمل zoom out لتلك الأشياء، وسنراها حيناً جميلة وبسيطة، ليس كما رأيناها في المرة الأولى، معقدة، أو ربما بسيطة ولكن غير مفهومة.

وبالمثل، فكل شيء فهمناه وتتبعنا عوالمه في خضم حياتنا الحافلة بالتجارب والتلاقح، أمسى سهلاً سلساً ليّن النمط.. وجميلاً،  فحين نتكلم عن تجربةٍ ما -كالقيادة مثلاً- فإننا نصفها للآخر الذي لم يجرب القيادة بأنها شيء سهل، ولا تحتاج سوى الإلمام بالقواعد والانطلاق بالضغط على الدواسة، ولكن القيادة أصعب من ذلك حين نتعلم أبجدياتها، لكن حين نصل لمرحلة “الأستاذية” فإننا نرى الصورة الأخيرة المتكونة عنها، البسيطة والجميلة وننسى تعقيد البدايات وتعثرها، وهذا ما يقصده جريبن، الأشياء العلمية - تجربة حياتنا-، الجميلة والبسيطة.

المرحلة التي تتبع تقدير جمال وبساطة العلم، هي التوسع في مدركات هذا العلم، وتعليم الغير في نفس الوقت، ثم تبدأ مرحلة الإنتاجية، والازدهار الفكري والتجريبي، والتوصل إلى نخبة وخلاصة التجربة، ليبدأ نوع آخر من التعلم، ورسم طريقٍ آخر من التزود في حقل العلوم الحياتية والإنسانية.

لذا من الضروري جداً أن نتعلّم ونتفقّه في ما نجيده، حيث يحدث أن يسألنا البعض عن تخصصاتنا، اهتماماتنا، عملنا، ونجاوب في بعضها ونفتي في الأُخر بجدية، أو لا مبالاة، أو نكتفي بتعبير وجه جامد وجملة: “لا أعلم”، أما من يشرح لك ويجاوب بسعادة وقبول، وينجح في تبسيط الموضوع للدرجة التي تستوعبها، وتجد أنك تعقب بأسئلة أخرى من دون تفكير، فذلك الشخص يعرف ما يفعل، ويستمتع به، ويعطيه بعداً آخر جميلاً وبسيطاً، مهما كان موضوعه أو صَعُبْ.

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق